لم تكن “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين”، التي تأسست عام 1998 هي الشكل أو النسخة النهائية للجهاد الأممي وعولمة الجهاد، أو ما يعرف بـ”قاعدة الجهاد العالمي” الذي غلب عليه مسمى القاعدة فيما بعد، بل كانت تلك الجماعة إيذاناً بتطور وانقسام التيار الجهادي ودخوله في مراحل ومحطات تهيئ وتوطد كل منها للأخرى، وتمهد لظهور رجال وقيادات تسيدوا المشهد السياسي في الشرق الأوسط على فترات متباينة، وكان لكل منهم صفاته الذاتية وآراؤه واجتهاداته الفكرية، وظروفه المحيطة، التي أثرت بدورها على تشكل وتخلق تلك الجماعات المنبثقة من الجماعة الأم التي كانت جميعها تلتزم الانتساب إليها فكراً إن تعسر الانتساب تنظيماً،
إلى أن صعد تنظيم الدولة بنسخته المعدلة المتوحشة والذي أعلن المفاصلة مع القاعدة الأم، في سابقة لم يتوقعها أي الباحثين والمهتمين، بل فاجأ أبناء (التيار الجهادي) نفسه، ومثل بذلك أعلى درجات التشظي للجماعات، فاتحاً الباب على مصراعيه للاجتهادات الفكرية والتنظيمية، لننتقل إلى مرحلة يصعب فيها التنبؤ بطبيعة التشكلات والنتوءات التي سيتجلى فيها الظهور الجديد للتنظيم سواء من حيث الكم أو النوع، ولعل تتبع دورة حياة التنظيم الفكرية والحركية، تعطي مؤشراً على السلوك الذي قد ينتهجه التنظيم في ظل ظروف معينة كالتي يعيشها حالياً، وفي ظل صفات قياداته الحالية التي تشترك مع صفات قادة إحدى تلك المراحل التي تطور خلالها.