كانت نشأة قسد ابتداءً من وحدات حماية الشعب الكردية، الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديموقراطي في مناطق الغالبية الكردية، أضيف لها فيما بعد تحالفات محدودة من المكونات المحلية في محافظات الحسكة (الصناديد) والرقة (لواء ثوار الرقة)، لكن توسعها باتجاه دير الزور اضطرها للاستعانة بجسم وسيط، لأنها لم تتمكن من استيعاب المحليين بشكل مباشر بسبب طبيعة المنطقة وتعقيداتها، فاستعانت بمجلس دير الزور العسكري، ليكون ذراعاً لها في إدارة المحافظة؛ حيث قام بإدارة اقتصاد الحرب ومواجهة خلايا التنظيم في المنطقة إضافة لضبط المنطقة عشائريًا ومجتمعيًا لكن ضمن عباءة قسد، هذا الجسم الوسيط كان لابد له من قيادة تناسب المهام المنوطة به، لذلك وقع الاختيار على أحمد الخبيل أبو خولة، الذي ظنت قسد والتحالف بأنهم قد وجدوا فيه لوازم فرض السيطرة كفرع عربي لقسد دون تشكيل خطرٍ يهدد مصالحها.
كانت ذروة الخلاف بين قسد ومجلس دير الزور العسكري قبل أسابيع عندما اندلعت اشتباكات مسلحة بين الطرفين، لم تتدخل فيها قوات التحالف بشكل مباشر، لكن الاشتباكات انتهت بحصول تهدئة برعاية التحالف الدولي، ظهر فيها المجلس وقد حقق انتصاراً معنويا أكثر منه عسكري، حيث انه على المستوى الاجتماعي قدم نفسه كممثل وحيد في المنطقة للمكون العربي، مما شجعه على استعاضة الحرب ضد تنظيم الدولة كمفتاح للصراع بالنزاع العربي-الكردي كأداة لحشد العشائر ذات البنية الطاردة للأجسام الغريبة، ناهيك عن أن سيطرته على دير الزور بساحاتها الأربع(الساحة الشمالية مركزها: الصور، والوسطى: البصيرة والشحيل، والغربية: الكسرة، والشرقية: هجين) وانكسار قسد أمامه وانسحابها عسكريا أوجد عند الخبيل الرغبة في الانتقال للعب دور سياسي يسحب البساط من قسد ولو بشكل جزئي. خصوصاً في ظل وجود قنوات للخبيل مع الفاعلين المحيطين كالنظام على سبيل المثال لا الحصر حيث رعى تلك القنوات وسطاء تهريب النفط بين ضفتي نهر الفرات.
تصاعد الأحداث الاخير
من منظور قسد، لم تنته المعركة الأخيرة بين الطرفين، ولم تعد التهدئة التي تمت كونها فاصلاً قبل عملية الإجهاز على المجلس، مما تطلب عملية محكمة وشاملة لا يمكن أن تتم بدون علم التحالف والتنسيق معه، والتي بدأت بإيجاد المبرر والغطاء المناسب لتحركاتها بهدف التحشيد العسكري وقطع الطرق والانترنت عبر الإعلان عن عملية واسعة ضد خلايا تنظيم الدولة ونشر إشاعات عن محاولة هروب أو عصيان في سجن غويران الخاص بمعتقلي التنظيم.
وفي التوقيت نفسه دعت قيادة قسد أحمد الخبيل لحضور اجتماع في مدينة الحسكة مع مظلوم عبدي برعاية التحالف الدولي، قامت على إثره باعتقال الخبيل، واعتقال قيادات المجلس تباعًا، وحصار مقراتهم، منعًا لأي ردة فعل أو إعادة تجمع للمجلس، حيث بات المجلس بعد اعتقال قائده كتلة عسكرية كبيرة بدون رأس أو قيادة توجهها، ما قامت به قسد أدى لموجة من الاحتجاجات في عموم المناطق الموالية لمجلس دير الزور العسكري، كما استنفرت قوات المجلس وأبناء العشائر في المنطقة، تطورت إلى مواجهات مسلحة سقط فيها قتلى من مقاتلي المجلس
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن قسد لم تعمد لتصفية الخبيل بشكل مباشر كون المسألة تتعدى شخص الخبيل إلى الجسم الذي يمثله، وحتى تتحكم في إيقاع الأحداث ولا تتطور بشكل أسرع من قدرتها على التعامل معها، فالهدف الرئيسي هو استعادة السيطرة على المشهد، فانسحاب الكوادر الكردية من المنطقة خلال الاشتباكات السابقة كان تكتيكاً للعودة وضرب المنطقة وفق خطة محكمة
أثر الأحداث:
على الصعيد المحلي قد ينتقل الخلاف من صدام عسكري بين مكونات عسكرية تابعة لمظلة قسد إلى صدام عربي – كردي بشكل أوضح هذه المرة خصوصاً مع تشكّل مزاج عام في المنطقة يدفع نحوه، وذلك بسبب سياسات التهميش والإقصاء التي اتبعتها قسد في جانب الإدارات المدنية تجاه عرب المنطقة، بالإضافة لاستخدام القوات العسكرية العربية في تنفيذ خططها وزيادة نفوذها، دون إعطاء دور واضح للقيادات العربية للتحكم بمصيرهم أو مآلات المنطقة.
من جهته حاول النظام استغلال الحدث حيث خرجت تصريحات لقائد قوات الدفاع الوطني فراس العراقية وقائد ميليشيا الباقر الشيخ نواف البشير تستدعي تأجيج الصراع وتشير إلى عجز قسد عن ضبط المنطقة، أما تنظيم الدولة الذي رأى أمامه مناخًا مناسبًا للتحرك، فقد بدأت معرّفاته بالنشر عن استعداد الخلايا لتنفيذ العمليات في المنطقة. في ظل وجود أخبار عن فرار عناصر من التنظيم سيعززون صفوفه وهذا ما سيشكل ذريعة لاستمرار عمليات استنفار قسد وبسط نفوذها.
السيناريوهات المتوقعة
يبدو أن حلول قسد والتحالف لإيجاد المخرج تتمثل في:
1- المضي في مسارين متضافرين هما الضغط على القيادات المحتجزة للوصول إلى تسوية، و انتظار الاحتجاجات والاشتباكات حتى تستنفذ زخمها وتهدأ بدخول وساطات عشائرية، ثم القيام باستبدال قيادة المجلس والإبقاء على العناصر الموجودين ممن لم يكونوا بارزين في الأحداث الأخيرة، وجلب شخصية جديدة من الصف الثاني للمجلس وتسليمها القيادة بما يتناسب مع توجهات قسد ويدعم هذا السيناريو وجود قوات أشار لهم شقيق أبي خولة في تسجيلاته الصوتية، ووصفهم بالخونة من أبناء جلدتنا. وبهذا توفر قسد على نفسها عناء إنشاء جسم جديد، ويرجح هذا السيناريو عدم إمكانية حسم المسألة عسكرياً بدون وجود حل توافقي يرضي جميع الأطراف، فسيطرة قسد على المنطقة بالمفهوم العسكري غير وارد، فهي لا تستطيع الدخول بالمكون الكردي أو العربي من خارج المنطقة، بل لابد من ممثل محلي من أبناء المنطقة، فمسوغات إيجاد مجلس دير الزور العسكري السابقة لم تنته، بل ازدادت خصوصًا مع ما ذكرنا من المزاج العام الرافض لحكم الأكراد
2- انتهاء الوضع بسيطرة عسكرية كاملة لقسد تخولها من اجتثاث مجلس دير الزور العسكري بالمجمل وصناعة جسم بديل من خلال جمع قوات العشائر على شخص جديد سيكون من قيادات الصف الثاني أو الثالث غالباً ومن العناصر القابلة للتطويع والذين لا يرغبون بتحدي سلطة قسد، مع الاستفادة من درس الخبيل الذي كانت بداياته في نفس الظروف والشروط. وعلى رأس البدلاء المرشحين على مستوى العشائر هم الشعيطات حيث أنهم يملكون المال والعصبة وهم من العكيدات في الأصل وبالتالي فهم قادرون على استيعاب عناصر المجلس المنحل من عشيرة البكير الذين شكلوا خلال الفترة الماضية قوام ما يسمى بساحة الصور التابعة لأبي خولة، وجدير بالذكر أن الخبيل لم يجهز البديل المناسب له في حال غيابه مما أدى لإشكاليات أكبر، وسهل انفراد قسد به، لإقصائه وعزله عن المشهد.
3- حل المجلس وعدم إيجاد بديل عربي محلي بعد الحسم العسكري (في استنساخ لتجربة لواء ثوار الرقة وأبو عيسى الرقة)، وفي هذه الحالة ستتجه قسد لإدارة المنطقة بشكل مباشر على غرار الرقة والحسكة بالاعتماد على الكوادر الكردية، وهذا السيناريو مستبعد في الوقت الحالي ولا يناسب وضع المنطقة لعدة اعتبارات أهمها وجود المهددات الأمنية حيث ينشط تنظيم الدولة، وتركيبة المنطقة العشائرية المختلفة. وفي حال حصول هذا السيناريو لن تستقر المنطقة وستغدو مسرح عمليات للأطراف المتنازعة.