مجلس دير الزور العسكري على مفترق الطرق
شهد شرق الفرات خلافاً بين مجلس دير الزور العسكري بقيادة أحمد الخبيل من جهة وقسد من جهة ثانية، ليتطور هذا الخلاف في الأيام القليلة الماضية إلى اشتباكات عسكرية واسعة شملت مناطق ريف دير الزور الشمالي، انضم إليها بعض عشائر المنطقة، مما دفعنا للتساؤل عن أسباب الخلاف وتداعياته؟
وما هي السيناريوهات المحتملة للعلاقة بين الطرفين؟
وكيف أثر الانتماء العشائري لمجلس دير الزور العسكري على النزاع ما بين الطرفين؟
بدايات الخلاف:
ازداد في الآونة الأخيرة الحديث عن حشود دفعت بها قوات التحالف إلى مناطق شرق الفرات في دير الزور، تزامن ذلك مع اجتماعات ولقاءات بين التحالف وممثلي المجالس العسكرية والفصائل من المكون العربي شرق الفرات تمهيداً لعمل عسكري مرتقب في بادية البوكمال، وفي نفس السياق انتشرت شائعات أخرى عن تغييرات في الهيكلية العسكرية لمجلس دير الزور العسكري قد تطال قائد المجلس العسكري أحمد الخبيل، الذي أثار بدوره الكثير من الجدل بتسريباته الصوتية ذات المحتوى المسيء لشيوخ العكيدات،
وتجدر الإشارة هنا إلى أن جذور الخلافات بين الخبيل وبعض شيوخ العكيدات من بيت الهفل تعود إلى محاولة أحمد الخبيل (أبو خولة) إعلان نفسه أميراً لقبائل زبيد، مستنداً إلى بيانات وتصريحات أصدرها عدد من وجهاء زبيد في سوريا وخارجها تؤكد ولاءها للخبيل وتبايعه أميراً لقبائل زبيد عامة، هذه البيانات أثارت حفيظة بيت المشيخة التاريخي لعشيرة العكيدات الممثل بالهفل الذين اعترضوا على محاولة الخبيل تجاوزهم وتنصيب نفسه أميراً لقبائل زبيد، وعلى رأس المعترضين الشيخ جميل الهفل وأبناء خليل الهفل الشيخ مصعب وابراهيم
نظراً لكون عشيرة البكير نفسها هي فرع من قبيلة العكيدات التي بدورها أحد فروع قبيلة زبيد القحطانية الكبرى.
حصل بعد ذلك تطور خطير تمثل باستهداف بيت جميل الهفل من قبل مسلحين مجهولين في بلدة المويلح بناحية الصور في العاشر من شهر تموز الجاري، ومع أن جميل الهفل لم يتهم علناً أي جهة، لكن تم تداول اسم أحمد الخبيل على نطاق ضيق داخل عائلة الهفل، ومما عقد المسألة أكثر هو غياب جميل الهفل بعدها عن مناسبتين اجتماعيتين دعاه إليها الخبيل لم يكن يتغيب عن مثلها جميل في السابق.
ليتم تراشق الاتهامات بين الموالين لكل من الطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي للدرجة التي استدعت أبو خولة نفسه إلى توجيه إهانات لبعض الرموز العشائرية من بيت الهفل، وفي إطار التحركات داخل قسد لاحتواء الخلاف عُقد قبيل التطورات الأخيرة بأيام اجتماع موسع في الحسكة ضم كل من قـيادات مجلس دير الزور العـسكري وقـيادات من قسد بينهم عدة كـوادر من وحـدات حماية الشعب لحل الخـلاف المتصاعد بين الطرفين، تبعه اجتماع آخر لوجهاء عشـائر البكير في منزل عواد حسون الشلال بناحية الصور. بالإضافة للقاء خاص بين مظلوم عبدي وأحمد الخبيل.
المشهد العام في المنطقة قبل التطورات الأخيرة:
شهدت خطوط التماس في محافظة دير الزور على ضفتي نهر الفرات حالة من الترقب الحذر تبعها تعزيزات عسكرية كبيرة بين قسد من جهة والنظام والميليشيات الإيرانية من الجهة المقابلة، في ظل انتشار أنباء عن عملية عسكرية قريبة ضد المليشيات الإيرانية، لا غنى للتحالف فيها عن أبناء المنطقة من المكون العربي خاصة في ذلك العمق الجغرافي البعيد عن الثقل الكردي لقوات قسد العسكرية، وبطبيعة الحال فإن قسد تعاطت مع الموضوع ببالغ الحذر، كيف وهي التي طالما أبقت على علاقتها مع التحالف كمظلة عسكرية واحدة لكل التشكيلات ولم تترك المجال لأي منها لتخطيها، ساعية من خلال ذلك لاحتكار التفاوض السياسي مع الفاعلين السوريين والدوليين بما يتوافق مع رؤيتها للإدارة الذاتية.
من جهته قام أحمد الخبيل وطوال السنوات السابقة ببناء شبكة من التوازنات بينه وبين القيادات العسكرية المحلية ووجهاء المنطقة المتحالفين معه، مما شكل منظومة مترابطة تهيمن على اقتصاد الحرب(كالنفط) وتتحكم بالوضع الأمني بالطريقة التي تصعب على جميع الفاعلين في المنطقة الاستغناء عن الخبيل، وفي حال تم ذلك فالخيوط التي جمعها الخبيل بيده جعلت من التعقيد بمكان التعامل مع الفراغ الذي سيخلفه، لكن هذه المكانة التي أوجدها الخبيل لنفسه حملت بعداً سلبياً حيث دفعته لأن يعامل عشيرته والعشائر المحيطة به بنوع من السلطوية المستفزة للكثير منهم.
أسباب ودوافع الاشتباكات:
لعل الدافع الرئيسي للتصعيد الذي بدأه مجلس دير الزور العسكري بقيادة أحمد الخبيل (أبو خولة) هو استشعاره للتغييرات التي قد يجريها التحالف فيما يخص تمثيل المكون العربي عسكرياً، ولا بد من الإشارة هنا إلى وجود أسبابٍ أخرى أزمت المشهد وعجلت التصادم كتخوف قسد من تنامي سلطة أبو خولة الاجتماعية، والتي باتت عابرة لحدود المنطقة بإعلان أبو خولة نفسه أميرا لقبائل زبيد، مسخراً لذلك كل إمكاناته المادية والمعنوية، ولعل التخوف الأبرز هو إمكانية توجه أبو خولة نحو التحالف مباشرة متجاوزاً قسد واستعداده للانخراط في أي عملية عسكرية تطلب منه حتى لو كانت ضد الميليشيات الإيرانية، ودل على ذلك صوتياته التي سربها عمداً والتي ادعى فيها أنه شخصية ثورية قادرة على حشد معارضي النظام المهجرين من غرب الفرات إلى شرقه، سيما وأن مجلس دير الزور العسكري يحتوي في صفوفه على عدد كبير من مقاتلي المعارضة السابقين الذين لم يغادروا المنطقة ولم يجدوا خياراً أنسب ، هذه العلاقة المباشرة المحتملة مع التحالف تخول الخبيل ليكون في موقف تفاوضي مستقبلاً، مما يعني انه انتقل إلى دور سياسي يسحب البساط من تحت قسد ولو بشكل جزئي. خصوصاً في ظل وجود قنوات للخبيل مع النظام رعاها وسطاء تهريب النفط بين ضفتي نهر الفرات.
تفاصيل ومجريات التطورات العسكرية:
اعترضت الشرطة العسكرية التابعة لــ قسد مجموعةً من قوات مجلس ديرالزور العسكري شمال بلدة الصٌور بالريف الشمالي، وتطور الأمر إلى مناوشات بين الطرفين قُتل فيها عنصران ينتميان إلى قوات “الفدائيين”، أو ما يعرف بقوات “النخبة” في المجلس، وينحدر القتيلان من عشيرة البكير التي ينتسب لها أحمد الخبيل،
على إثر ذلك أعطت قيادة ساحة الصور التابعة للمجلس العسكري مهلة للشرطة العسكرية للإفراج عن العنصر الذي اعتقلته، قبل أن تبدأ بهجومها الذي امتد ليشمل عدة مناطق منها الصور – الصبحة – البصيرة– الربيضة، تمكنت فيه قوات مجلس دير الزور العسكري من بسط سيطرتها على المناطق الممتدة من الصُّوَر وصولاً للبصيرة والعزبة، قاطعة بذلك طريق الحسكة-دير الزور وبمساندة بعض أبناء العشائر، الذين خرجوا أيضاً في مظاهرات مؤيدة للخبيل كما حصل في غرانيج.
وقد تخلل الاشتباكات طلعات جوية لطيران التحالف في سماء المنطقة، وأظهرت تسجيلات مصورة قيام عناصـر مجلـس دير الزور العسكري بأســر مجموعة من عناصــر الشـرطة العسكـرية التابعة لـ ” قسد ” خلال المواجـهات التي جرت بينهما، لينتهي الأمر بانسحاب الكوادر الكردية وعناصر قسد من أماكنهم في قرى الريف الشرقي والشمالي لدير الزور. لكن الأمور عادت للهدوء النسبي بعد تدخل التحالف ومطالبة الخبيل عناصره في تسجيلات صوتية بوقف إطلاق النار والسعي للتهدئة.
تأثير الحدث على كل من الفاعلين:
مما لا شك فيه أن مجلس دير الزور العسكري استطاع بعد التطورات الأخيرة إيصال رسائل اعتماده للتحالف الدولي وفرض نفسه كرقم صعب التجاوز لأي مشروع في المنطقة، كما تمكن المجلس من إضعاف نفوذ كوادر قسد الكردية في قطاعه، و رفع من تأييد الحاضنةالشعبية العشائرية له، بالمقابل وضع المجلس نفسه موضع تهديد في حال لم تجري المشاورات كما يريد، فقد تنقلب الطاولة عليه بدعم التحالف الدولي الذي كانت سياسته في الاشتباكات الدائرة هي عدم التدخل لصالح أي من الطرفين ومحاولة ضبط الأوضاع كي لا تخرج عن السيطرة وتصل إلى مرحلة الفوضى، وتابع عن كثب قدرة كل من الطرفين على التحشيد وإدارة المعركة قبل أن يتدخل لتهدئة الأوضاع ونزع فتيل الاقتتال.
أما قسد فكانت أكبر المتأثرين بالأحداث، فلم تعد هيبتها بعد التطورات الأخيرة كسابق عهدها، وظهرت طرفاً في نزاع وليس سلطة حاكمة في هذه المعركة التي كانت عبارة عن نوع من توازن القوى واستعراض العضلات، كما تكشّف أن نفوذ قسد في دير الزور يستند بالمجمل إلى قوى محلية تملك إمكانية ضبط العشائر في المنطقة التي بالرغم من عدم رضاها على المجلس العسكري إلا أنها تفضل الاصطفاف مع أي قوة محلية ضد قسد الوافدة من خارج المنطقة بحسب رأيهم.
وفيما يتعلق بالنظام وحلفائه فقد كانوا من أكثر المستفيدين مما جرى، فالخلاف الذي حدث أظهر حالة الميليشياوية للأجسام العسكرية المرتبطة بالتحالف مما عزز سردية النظام عن قسد والتحالف، كما أن تلك الانقسامات والاشتباكات ستؤخر أي إجراء عسكري محتمل ضد مناطق سيطرته.
أما تنظيم الدولة في المنطقة والذي انتظر مثل هذه الفوضى منذ سيطرة قسد على المنطقة، فقد أتيح له هامشٌ مؤقت يتحرك فيه ويدعم خلاياه وعناصره لوجستياً، وقد يزيد من وتيرة عملياته مستقبلاً منتهزاً الأوضاع الأمنية المتردية.
من جهتها تباينت مواقف الفصائل العسكرية العربية في دير الزور، فمجلس هجين العسكري التزم بموقف قيادة قسد المركزية أمام كافة أعمال الفتـن على حد تعبيره، أما كتائب الشعيطات العسكرية فكان موقفهم مؤيداً للمجلس.
السيناريوهات وتداعيات الحدث:
السيناريو الأول: نجاح التهدئة بين الطرفين، استناداً إلى مصلحة التحالف في إبقاء المنطقة مستقرة نسبياً أمام تهديد تنظيم الدولة المستمر، ونية التحالف خلق مشاريع غرب الفرات لا يريد لمثل تلك الخلافات الداخلية أن تشغله، لذلك تدخل التحالف منذ بداية الاشتباكات عبر الضغط على الطرفين للوصول إلى التهدئة الشاملة التي ستعيد المنطقة إلى ما كانت عليه قبل الأحداث الأخيرة. وهذا يعني انه قد تم الوصول إلى صيغة توافقية مع الخبيل وإبقاء مجلس دير الزور العسكري على حاله.
السيناريو الثاني: حصول تهدئة نسبية مؤقتة تكون عبارة عن وقف العمليات العسكرية بين الطرفين، مع استمرار حالة النزاع المستتر التي قد تأخذ شكلاً من أشكال التصفية إما على صعيد شخص الخبيل بشكل مباشر تقوم به قسد أو عبر مجهولين، أو حل المجلس العسكري واستبداله بجسم عسكري عربي موال من خلال استغلال السخط العشائري على ممارسات مجلس دير الزور العسكري.
أما السيناريو الثالث: فيتمثل في سعي الخبيل إلى المحافظة على حالة التوتر والتحشيد في أوجها، بهدف استعمالها في إي وقت لخلط الأوراق وإعادة التوترات إذا لزم الأمر، بهدف الوصول إلى صيغه تفاهم مع التحالف بموجبها يملك الخبيل كافة الصلاحيات في المنطقة الممتدة من الصور إلى البصيرة وصولاً إلى القرى السبعة التي يسطر عليها النظام، خصوصاً وأن الخبيل على اطلاع بأن التحالف غير قادر في المرحلة الراهنة على إيجاد البديل الملائم الذي يحفظ مصالحه في منطقة مضطربة.
لا شك أن المنطقة ما تزال غير مستقرة في شرق الفرات، وستحمل الأيام القادمة في طياتها العديد من التحركات التي ستغير وجه المنطقة بعد أن اهتزت الثقة بين قسد ومجلس دير الزور العسكري ، وحتى ذلك الحين يبقى أهل المنطقة يعيشون حالةً من التشتت و عدم الاستقرار